منتديات القنديل النوراني الأسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ظلمات وفتوحات ومدد شيطاني

اذهب الى الأسفل

ظلمات وفتوحات ومدد شيطاني Empty ظلمات وفتوحات ومدد شيطاني

مُساهمة من طرف القنديل النوراني الأربعاء نوفمبر 19, 2014 12:32 am


لقد كثر في زماننا من يقع تحت تأثير المدد الشيطاني من الناس، بسبب الغفلة المطبقة وظلمة جل القلوب؛ حتى إن بعض المقبلين على الطريق -من أول خطوة لهم- يتراءى لهم أنهم من المعتنى بهم، الذين لا يحتاجون من الشيخ إلا تزكية رسمية لهم (بروتوكولية) تفتح لهم أبواب الخصوصية حسب وهمهم.

يتأيد هذا الاعتقاد لديهم، برؤى أو مشاهدات، أو بإخبار من أحد المعارف أو غيرهم من الناس، لا يشكّون لحظة واحدة أنه يمكن أن يكون (الإخبار) من الشيطان. لذلك نرى أنه من الضروري أن نؤكد على بعض الأسس من الطريق، وبعض الآداب، حتى يعود من يشاء الله العودة له من هؤلاء إلى صوابهم.

إن الطريق له بداية وله وسط ونهاية. فبدايته التوبة والعزم على السلوك بالشروط والآداب المعروفة، ووسطه مجاهدة النفس المثمرة لمعرفة صفاتها، ونهايته معرفة حقيقة النفس التي هي الوجه الآخر لمعرفة الحق. هذا يعني أن البداية تتلخص في ركوب المشاق، وأن النهاية هي قطف ثمارها؛ كما هو الشأن في الفلاحة تماما. فهل يطمع الفلاح في جني الغلال، قبل أن يزرع ويرعى زرعه طيلة مرحلة "تربيته"؟!.. لو أن أحدا ذكر ذلك أمام الناس، لسخروا منه!.. لكن مع ذلك، ففي الطريق، يطمع أغلب الناس أن ينالوا أعلى المراتب، من دون أن يُحكموا أولى خطواتهم فضلا عما بعدها! فَلِـمَ هذا التحامق، والمنطق يدل على عكسه على التمام؟.. لا بد أن يعلم المرء أنه مخدوع من قِبل نفسه! الخيانة دائما تكون من الداخل، حتى يتمكن العدو الخارجي من التسلل. النفس هي العميل الداخلي، والشيطان هو العدو الخارجي. والعدو الخارجي، لا يستميل العميل إلا إذا اشترى خدماته بما يحققه له من أغراض. وأكبر غرض للنفس استلذاذها للربوبية التي هي سر الشجرة المحرمة. والشيطان لا قِبل له بتحقيق أغراضها، إلا في عالم الوهم، كما يذكر الله ذلك في قوله سبحانه: { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }[النساء: 120]. فيمني -لعنه الله- النفوس المريضة بما يجعلها تظن أنها أخص الناس في زمانها، ويستعمل في ذلك تلبيسات نذكر بعضها على سبيل التنبيه فحسب:


1. يحرك الشيطان أتباعه من شياطين الإنس، إلى كيل المدائح وصنوف الثناء على الشخص المستهدف، من غير شاهد في الواقع. فيصدّق المسكين مع التكرار أنه على شيء، فيهلك.


2. يأتيه برؤى يرى نفسه فيها، يتلقى أنوارا من السماء، ويلقَّن أسرارا؛ ثم يخرج منه ما يؤثر في غيره تغير الحال. فيظن المسكين أن الله اختاره لأمر فيه صلاح العالم، وعليه أن يسلّم لاختيار الله. وقد يريه في الرؤيا شخصا، يوقع في نفسه أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فيرى نفسه مصليا خلفه، أو ممسكا بيده، أو ما هو من هذا القبيل. فيتأكد للمسكين أنه موصول بالنبي، كما كان السابقون من أهل الله. وقد يتكرر معه هذا، بالقدر اللازم لجعله يصدقه.


وقد يلتبس ما نقوله هنا على بعض الناس فيقولون، إن الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا بد أن ما يراه الرائي في النوم أو في اليقظة يكون النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة. ويستندون إلى حديث: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي»[رواه مسلم عن أبي هريرة]؛ وما علم المساكين أن الأمر فيه تفصيل:


ا. إن الشيطان لا يتمثل في صورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، التي كان عليها في الدنيا وشهدها الصحابة؛ فهذه من رآها فقد رأى الحق. ومن هنا يدخل التلبيس، لأن الرؤيا الشيطانية يرى فيها الرائي -يقظة أو مناما- صورة مخالفة.
ب. إن الشيطان، لا يتمثل في الصورة الشريفة للممكور بهم كما أسلفنا؛ وإنما يُظهر لهم صورة مخالفة، يوقع في قلوبهم أنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومن ثَم يأمرهم بما شاء ويخبرهم بما شاء. هذا يعني أن هذه العملية مركبة، وليست بسيطة على أصلها كما في الرؤيا الربانية. وهذا التلفيق يشبه ما يُعرف في هذا الزمان من تركيب في الأشرطة المرئية عند من يُحسن الاشتغال على البرامج الخاصة بذلك؛ حتى يجعلوك ترى ما لم يحدث كأنه قد حدث. نقول هذا، حتى لا يظن ظان أن الشيطان قد تمكن من تكذيب الحديث فعليا.
ج. قد تكون الرؤيا صحيحة، والصورة النبوية مخالفة للحقيقة، فتحتاج الرؤيا أن تعبّر. والتمييز بين هذا الصنف، وبين الصنف الشيطاني، يميزه أهل النور وحدهم؛ لذلك فعلى الرائي أن يعرض رؤياه على من يراه أهلا لثقته.


3. قد يمس الشيطان بعض الناس حتى تظهر منه أعراض المس، ويدله على الشخص الممكور به لطلب العلاج لديه؛ وبأدنى سبب من هذا الأخير، يذهب عن الممسوس ما كان يجد؛ فيصدق المسكين أنه ذا نور، كما يسمع عن الصالحين، فيستخدمه اللعين فيما يذهب بدينه.


4. قد يُخبره ببعض المغيبات التي يعلمها من طريق لا يتمكن الشخص أو المحيطون به من إدراكها، ويحضه على الكلام بها؛ فإن جاء وقت ظهورها، ظهرت كما أخبر؛ فيتوهم أنه من أهل الكشف، فيضل ضلالا مبينا. والمعيار هنا، من أجل معرفة الحق من الباطل، هو النظر إلى الكشف نفسه؛ هل هو مما يتعلق بما قد سبق وقوعه، أم بما هو في الغيب حقيقة؟ لأن ما يخبر عنه الشيطان، لا يكون إلا مما سبق وقوعه، ولا يتمكن من الإخبار بما سيأتي إلا إجمالا يحتمل التأويل. فلا يخبر الشيطان إلا بقرب وصول شخص من السفر مثلا، أو بموت آخر في مكان بعيد، وهكذا...

5. قد يري الشيطان للممكور به، ما يظهر لعقله الضعيف كالكرامة؛ فيحرك له الأجسام عن بعد، أو يشعل نورا أو يطفئه، أو يخبره بمكان شيء مفقود، أو يخبره عما يخطر في قلب شخص يجلس قبالته، وهكذا... فيظن المسكين أنه من الأولياء أصحاب الكرامات فيرضى بالضلال. وقد لقينا شخصا من هذا الصنف بالشام، أخبرنا أنه يرى الشيخ الأكبر والشيخ أرسلان رضي الله عنهما، وأنه يطفئ الشمعة عن بعد، وأشياء من هذا الباب؛ فأخبرناه أن من يراهما ليسا الشيخين المذكورين، وأن حاله شيطاني، ينبغي أن يسأل الله تخليصه منه. فوجدنا منه ثباتا على يقينه بأنه على الحق، وأنه من الخواص أهل العناية؛ ومما زاد في عناده أن شيخين كبيرين من شيوخ الشام -كما أخبر هو- أقرّاه على أمره وأوصياه بالثبات على ما هو عليه، فقلت له: قل على لساني: إني أخالف الشيخين فيما ذكراه لك. وعلى كل حال فإن العالم يعج بأناس جعلهم الشيطان ضُحكة، وهم لا يشعرون.

فعلى المرء إن رأى في المنام أو في اليقظة ما يوهم أنه من الخواص، أن يعرض أمره على شيخه إن كان له شيخ رباني؛ أو أن يتوقف، حتى يأتيه الله بصحيح العلم فيه. أما من يسارع إلى العمل به من غير بيّنة، فليعلم أنه قد فتح على نفسه بابا من البلاء، لا يعلم منتهاه.

وعلى المرء أن يعلم أن أهل الطريق، ما ظهرت منهم الكرامات، حتى أذابوا نفوسهم بالمجاهدات. وقد قيل في هذا المعنى: "من ادعى معرفة الجمال، دون التأدب بالجلال، فارفضه فإنه دجال". وليعلم المريد أيضا أن أصحاب الطريق، كلما أوغلوا فيه، ابتعدوا عن المألوف، فابتعد الناس عنهم وهجروهم. أما أهل النهايات، فيعاديهم الخاص والعام، بعكس ما يزعم الجاهلون.

ومن أراد السلامة، فلير نفسه آخِر المسلمين، فإنه وإن رأى ما رأى، أو علم ما علم، يكون في مأمن من غائلة النفس.

وأما التفريق بين الفتح الظلماني والفتح النوراني، فسهل؛ وذلك أن الفتح النوراني يصل العبد بربه أو يقربه منه، على العكس من الفتح الشيطاني، فإنه يأخذه بعيدا في تفاصيل الأكوان. هذا يعني أن الفتح الشيطاني قد يأتي بعلوم ظاهرها صحيح، لكنها لا تتعلق إلا بالأكوان؛ كمن يُفتح له في علوم العلاجات والتنجيم والفكر وغير ذلك... أما الفتح النوراني فيكون علما بالله وفهما في القرآن والسنة وغير ذلك من الفروع...


لذلك، فمن عرف أسرار السموات والأرضين، وعرف ما يضمره الناس في قلوبهم وفي عقر بيوتهم، فلا يُعتد به إلا إن كان له قدم في المعارف الإلهية الذوقية. وقد يخدع الشيطان بعض الناس، بأن يفتح لهم بابا من علم معاني الأسماء الإلهية فيظنون أن فتحهم رباني؛ والحقيقة أنه يكون شيطانيا، يستدرجهم به اللعين إلى ما يريده منهم فيما بعد. وهذا يظهر بأمرين:

ا. أن الغاية التي يسعى إليها، لن تكون إلا معصية أو شركا ولا بد.
ب. أن المعاني التي يتناولها لا بد أن تكون فكرية، يأخذ أصلها من اللغة والمنطق، وأنها لا تكون ذوقية أبدا؛ إلا إن غلب الوهم على الشخص، حتى يصير عنده كالواقع.

وقد يدخل على هذا الغرار الشيطان في بعض التفسير أو في فقه الأحكام، بما لا ينطلي إلا على من لا نور له. نقول هذا، حتى يحتاط إخواننا من تلبيسه، ولا يأخذوا عنه شيئا وإن ظهر لهم أنه حق. ولا مُنجي بعد الله من هذه التلبيسات -التي لم نأت إلا على بعض أصولها- إلا أن يكون المرء مع أهل النور، يحرسونه من أن يُغتال من بين يديه أو من خلفه؛ حتى يبلغ المقام الذي لا يكون للشيطان فيه عليه سلطان.
القنديل النوراني
القنديل النوراني
ملك المنتدى
ملك المنتدى

ألــجنس : ذكر
الـــعمــــر : 38
المــشاركات : 882

https://alnorany.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى